9 يونيو، 2025
فلسطين

البحث عن فرص عمل في الخارج يكلف شباب غزة حياتهم

هاجر يونس من قطاع غزة مع 10 آخرين من أقاربه وأصدقائه أملا في حياة أفضل في أوروبا، لكنه توفي غرقا بعد عشرة أشهر ليعود جثّة هامدة إلى القطاع الفقير والمحاصر.

في منتصف ديسمبر الماضي وصلت إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي جثث يونس الشاعر (21 عاما) وسبعة شبان من عائلتي الشاعر وقشطة، بينما بقي ثلاثة غيرهم في عداد المفقودين.

وقبل شهرين عُثر على جثمان يونس الشاعر قرب شواطئ تونس بعد غرق قارب مطاطي صغير حمله هو و13 آخرين من ليبيا إلى إيطاليا قاصدين بلجيكا.

وفي فبراير الماضي، بعد أن أنهى عامين دراسيين في اختصاص المحاسبة بجامعة محلية في غزة، غادرها الشاعر نحو مصر التي مكث فيها شهرين مع أقارب له قبل أن ينتقلوا من خلال مهربين إلى ليبيا حيث أمضوا سبعة أشهر في انتظار فرصة سانحة لإكمال رحلتهم.

وفي ليبيا تعرض الشاعر وأقاربه لسرقة أموالهم ومتعلقاتهم الشخصية وهواتفهم النقالة، واضطروا إلى المبيت لأسابيع في أماكن “لا تصلح للحيوانات” بحسب شقيقه محمد.

ويوضح محمد (34 عاما) أن “مجموعة مافيا على صلة بالمهربين اختطفت شقيقي يونس في ليبيا لأسبوعين وقمنا بدفع فدية قدرها 1500 دولار”.

ويضيف الشاب وهو مبتور القدمين جراء قصف إسرائيلي قبل خمس سنوات “أخذ المهربون 6 آلاف دولار مِن يونس ومَن معه. المهربون خدعوهم ولم يجدوا باخرة ولا مأوى ولا طعاما ولا شرابا، الرحلة كانت قاسية ومهينة، كلها عذاب وإذلال”.

وتوفي خلال العقد الأخير العشرات من الفلسطينيين في حوادث غرق مماثلة أثناء محاولات الهجرة غير البشرعية إلى أوروبا وتركيا، وبعضهم غادر غزة عبر أنفاق تحت الأرض كانت تنتشر قبل سنوات عديدة على حدود قطاع غزة مع مصر قبل أن يهدمها أو يغلقها الجيش المصري.

ورغم عدم وجود إحصائية رسمية لعدد المهاجرين من القطاع إلا أن “أكثر من مئتي ألف شخص، غالبيتهم شباب، هاجروا بشكل دائم أو مؤقت من القطاع منذ 2007” عندما سيطرت حركة حماس الإسلامية على الحكم في غزة، ما دفع كثيرين إلى البحث عن فرص عمل وحياة أفضل في الخارج.

وبحسب مركز “مسارات” لحقوق الإنسان غادر غزة حوالي 36 ألف شخص في السنوات الخمس الماضية سعيا للهجرة إلى الخارج.

في عام 2015 عبر مليون شخص البحر المتوسط بحثاً عن ملاذ في أوروبا قبل أن يتراجع هذا العدد إلى نحو 95 ألفا في عام 2020 ثم بدأ يرتفع مرة أخرى، وفق بيانات مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين.

وتعتبر “البطالة والفقر محركين أساسيين لهجرة الشباب من قطاع غزة”، حسب قول نائب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان سمير زقوت.

ويوضح زقوت لفرانس برس أن “80 في المئة من الشباب خريجي الجامعات في القطاع بلا عمل”، وذلك في ظل نسبة بطالة عامة تزيد عن 50 في المئة.

ويقيم في قطاع غزة حوالي 2.3 مليون نسمة، نحو ثلثيهم من الفقراء، ومن بينهم 223 ألف عاطل عن العمل، وفق بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني للربع الثاني من عام 2022. وتفرض إسرائيل حصارا بريا وبحريا وجويا مشددا على قطاع غزة منذ سنة 2007.

وبلغت كلفة رحلة يونس، التي ساهمت العائلة في جزء منها، تسعة آلاف دولار تقريبا، ستة آلاف دولار منها دفعت للمهربين. وبعد أشهر من “العذاب والقلق” كان موت يونس “زلزالا” بالنسبة إلى والدته سميرة الشاعر.

وتؤكد الأم الثكلى “كنت أعرف مخاطر الهجرة، أنا استسلمت من كثرة إلحاحه وإصراره، في كل يوم كنت أتوقع أن يأتيني خبر وفاته”.

داخل منزلها المتواضع في رفح جلست سميرة محاطة بأقاربها، إذ بدا عليها الحزن الشديد وهي تحتضن صورة ابنها. ولطالما كان أمل والدته أن تتكلل رحلته “القاسية” بوصوله إلى بلجيكا ليعيش “حياة أفضل”.

وتوضح “كان يقول لي: هنا في غزة لا عمل ولا زواج ولا بيت، هل يعجبك حال البلد؟ أريد أن أهاجر لأساعدك أنت وإخوتي على عيش حياة أفضل”.

وتقول “كنت أتمنى لو أنه مسجون، كان يقول لي دائما لا تقلقي إن شاء الله سنصل” إلى أوروبا.

وتبدو الأم مقتنعة بأن “قلة فرص العمل هنا (في غزة) والفقر دفعا يونس إلى الهجرة، وهو يتيم الأب منذ أن كان عمره عشر سنوات”.

لكن يونس كان دائما يطمئن والدته ويشير إلى أن أقاربه “من غزة وصلوا إلى بلجيكا قبله وعملوا هناك”.

وبعد 20 يوما من فقدان الاتصال بيونس، تواصلت العائلة مع المهربين عبر فيسبوك. ويقول محمد “كانوا يقولون لنا إنه بخير، إنه مسجون، كانوا يكذبون علينا”.

ولا يخفي محمد الشاعر أنه “ضد هجرة الشباب” من غزة. أما والدته سميرة فبدت مقتنعة بأن “لا خيار أمام الشباب في غزة سوى اللجوء إلى المخدرات أو الهجرة عبر البحر”.

ويقول محمد متنهدا “وجدوا جواز سفره بين الجثث التي جرفتها مياه البحر نحو الشاطئ، وقد لف بالنايلون”.

ويشير إلى أن يونس “كان يحلم بتكوين نفسه، بأن يتزوج ويمتلك بيتا ويجد فرصة عمل، لم تكن الجنسية الأوروبية هي همه الوحيد، ضاع حلم يونس”.

تشكل الفئة الشابة في فلسطين 23 في المئة من السكان، أي ما يقارب مليونا و130 ألفاً خلال عام 2017. وبحسب آخر الأرقام الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي في ما يتعلق بأوضاع الشباب، فإن نسبة الفقر ضمن الشريحة العمرية من 19 سنة إلى سنّ الـ29 بلغت 30 في المئة، بواقع 57 في المئة في قطاع غزة و13 في المئة من الشباب في الضفة الغربية، لأسباب أهمها ارتفاع نسبة البطالة.

ويوضح عدد من الشبان والشابات أن الضغوط الاجتماعية الممارسة من قبل المجتمع في ما يتعلق بمستوى الحريات الشخصية والفكرية والعادات والتقاليد وعوامل الإحباط والتدخل في كل صغيرة وكبيرة في الحياة الخاصة، تشكّل سبباً آخر للخروج من فلسطين، إضافة إلى تراجع الحريات السياسية.

ويطلق البعض اسم “رحلة الموت” على ما قام به ومازال يقوم به راغبون في الهجرة، حين يغادرون على متن قوارب إلى أوروبا. فمع بداية عام 2019 أنقذ خفر السواحل التركي 13 فلسطينياً كانوا يهاجرون بشكل غير شرعي من تركيا إلى اليونان، إلى جانب وفاة شاب من غزة، كان ينتظر دوره للهجرة مع آخرين إلاّ أنّ الشرطة التركية لاحقتهم، فسقط من أحد المباني وفارق الحياة.