رمضان في غزة – استعدادات خجولة وطقوس متقشفة
يستقبل غالبية سكان قطاع غزة شهر رمضان الفضيل بأوضاع اقتصادية صعبة من جراء غياب فرص العمل أمام شريحة واسعة ولاسيما الخريجين الذين انقطعت بهم السبل في الحصول على فرص عمل تعيلهم على قضاء احتياجاتهم، إلى جانب عدم إيفاء وزارة الشؤون الاجتماعية بتوفير المستحقات المالية للفقراء على مدار عامين.
ويعاني القطاع منذ عقد ونصف من تبعات أزمات اقتصادية خانقة، أسهم في تكريسها وتفاقمها العديد من العوامل والظروف المرتبطة بالاحتلال والانقسام الفلسطيني، وأدت في مجملها إلى تدهور ظروف الحياة المعيشية والإنسانية، وقادت إلى تحديات اجتماعية وتداعيات سياسية كبيرة. فمشكلة منتفعي الشؤون الاجتماعية والبالغ عددهم أكثر من 80 ألف أسرة، هي مشكلة سياسية نتيجة الانقسام وتحكم الوزارة في رام الله بصرف المستحقات، على الرغم من تحويل الاتحاد الأوروبي المنحة المالية بشكل منتظم.
وبالرغم من الأوضاع المعيشية الصعبة، إلا أن المواطنين يحاولون تجديد فرحتهم بقدوم شهر رمضان المبارك عبر استعدادات خجولة وطقوس بسيطة، علها تضفي القليل من البهجة والفرح عليهم وعلى عائلاتهم، حيث تزينت العديد من واجهات المنازل والمحال التجارية والشوارع بالأضواء وحبال الزينة الرمضانية والفوانيس الكبيرة المعلقة، فيما تلونت الأسواق بالعديد من الأصناف الغذائية المخصصة للشهر الكريم، لكن ذلك لم يسعف التجار الذين عولوا كثيراً على قدوم الشهر، فقد شهدت الحركة الشرائية اقبالاً ضعيفاً من قبل المواطنين على الشراء من الأسواق والمحال التجارية.
ويزداد تخوف المواطنين في غزة من تصعيد عسكري خلال رمضان، مع توتر الأوضاع الأمنية على الساحة الفلسطينية وبالتحديد الضفة الغربية، إلى جانب تهديدات المستوطنين بتنظيم اقتحامات وإقامة طقوس استفزازية خلال عيد الفصح، وما يرافق ذلك من اعتداءات وحشية على المصلين، وتهديدات فصائل المقاومة في غزة بتصعيد في حال ارتكاب المستوطنين أي انتهاكات في المسجد الأقصى.
ونال أصحاب الشركات والمحال التجارية في مناطق واسعة من غزة نصيبهم من الواقع السيئ، حيث انعكست الأوضاع الاقتصادية المتردية سلباً على الباعة، الذين عبروا عن امتعاضهم الشديد من صعوبة الأوضاع التي يعاني منها السكان، وانعكاس ذلك على الحركة الشرائية الضعيفة خلال هذا العام على وجه التحديد.
يقول صلاح راضي يمر الشهر الفضيل على أسرتي كضيف ثقيل وبفرحة منقوصة، نتيجة عدم توفر داخل مادي ثابت يعينني على تلبية الاحتياجات الأساسية، ومستلزمات الشهر الفضيل ليست كما الأيام العادية.
وقال لـ«القدس العربي» إن «المماطلة المتعمدة من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية في توفير المستحقات المالية لنا كمحتاجين، زادت معاناتنا، بعد أن عقدنا الآمال أن يتم صرفها قبل حلول الشهر الفضيل». ويقول أحمد خضير صاحب محل تجاري لبيع المواد التموينية في سوق الزاوية أشهر الأسواق الشعبية في مدينة غزة، إن السوق يشهد إقبالا ضعيفا من قبل المواطنين، ويعود ذلك لصعوبة توفير النقود، نتيجة غياب فرص العمل وتراكم الديون المستحقة على المواطنين.
وأشار لـ«القدس العربي» إلى «كتجار نعول كثيراً على هذا الشهر، الذي يعتبر موسماً اقتصادياً، يحقق دخلاً وفيراً ويعوض الخسائر الناجمة عن تردي الأوضاع التي يمر بها القطاع، لكن المؤشرات والمعطيات لا توحي بانفراجة قريبة وبالتالي الخسائر باتت حتمية لنا هذا الموسم».
ولفت إلى أن المؤسسات الإغاثية المحلية والدولية، اعتادت قبل حلول شهر رمضان على تقديم مناقصات لشراء المواد التموينية، كمساعدات غذائية للفقراء والمحتاجين، وهذه الخطوة تشكل لنا كتجار طوق نجاة لكن خلال هذا الشهر لم تأت المؤسسات سوى القليل منها لشراء المواد التموينية، وهذا ما شكل نكسة لنا كتجار، والتخوف يزداد من فساد البضائع المكدسة بكمات كبيرة داخل المخازن.
وفي تعقيبه على ذلك، أكد الخبير الاقتصادي ماهر الطباع أن سكان قطاع غزة يواجهون أوضاعا صعبة، ولاسيما أن شريحة واسعة من الفقراء والمحتاجين توقفت مصادر التمويل المقدمة لهم من المؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة، نتيجة القيود المفروضة دولياً على الحسابات البنكية الخاصة بالمؤسسات والجمعيات الإغاثية العاملة، حتى أن المعونات الغذائية تراجعت لأسباب مجهولة.
وقال لـ«القدس العربي» و«بالرغم من توجه شريحة واسعة من العاطلين للعمل داخل إسرائيل، إلا أن ذلك لم يحرك حالة الجمود والركود الاقتصادي في غزة، ويعود ذلك إلى أخذ العمال العبر من التجارب السابقة، كون تصاريح العمل مهددة بالتوقف في أي لحظة، مع توتر الأوضاع الأمنية على الساحة الفلسطينية، وبالتالي يقوم العمال بتخزين أموالهم للأوقات الصعبة».
ولفت إلى أن شريحة مستنفعي الشؤون الاجتماعية وعدم تقاضيهم المنح من قبل الوزارة في رام الله لفترات طويلة وبشكل منتظم، قد شكلت أزمة داخل الأسواق، كون هذه الفئة تشكل نسبة كبيرة داخل المجتمع، وضمان استمرار تقديم مستحقاتهم بشكل منتظم، من شأنه أن ينعش الحركة الشرائية داخل أسواق غزة.
يشار إلى أن معدلات الفقر المدقع في غزة ارتفعت إلى 65 في المئة، ووصلت نسبة البطالة إلى أكثر من 50 في المئة، وهذه النسب هي الأعلى منذ سنوات.